لا تعليق
أبي الحبيب ..
فارقتنا منذ عقود ، لكن ذكراك لم تفارقني …
أتذكر لطفك وعطفك ..
وأتذكر أيضاً هيبتك وحزمك..
وأتعجب .. كيف استطعت أن تجمع بينها !
***
كنتَ عظيماً لا تُجالس إلا عظماء ..
كنتَ تصحبنا معك لنتعلم منهم ومنك أخلاق الرجال ومعالي الأمور ..
ولترى فينا – إذا كبرنا – امتداداً لسيرتك العطرة ..
لكنك فارقتنا ونحن صغاراً .. لم نملأ أعيننا من رؤياك ، ولم تطب أنفسنا من مُحياك ..
***
أبي .. فارقتنا ونحن أحوج ما نكون إليك ..
فارقتنا ونحن كالطير الصغير في عشه ، يُغذيه أبوه بأطيب الطعام وأجوده
ويُهيئه للطيران ويعلمه ..
فلما جاء ذلك الوقت؛ إذا هو يطير لوحده .. فلا يرى أبوه تحليقه فــيُسر به ، ولا يُشاهد طيرانه فيفخر به ..
***
أبي .. فارقتنا بجسدك .. وافتقدنا رعايتك وحنانك ..
لكنك تركت لنا إرثاً ثميناً عظيماً ..
تركت لنا سمعتك الحسنة .. وأبقيت لنا ذِكراك الطيبة، ومحبة الناس لك ..
فنحن لا زلنا نُفاخر بها ، ونقتات عليها ..
فلا نكاد نذكر – في مجلس – اسمنا مع اسمك إلا وتسبقنا ألفاظ الثناء عليك من الجالسين ..
فما أعظمك يا أبي !
جسدك مسجى تحت الثرى ..
وذِكراك العطرة تلامس الثريا ..
***
أبي .. أنت الآن حبيس قبرك ورهين عملك ..
ومن حقك على أولادك وأحفادك ألا ينسوك من الدعاء
وألا يتركوا الصدقة والعمرة والحج عنك ..
وألا ينسوا كذلك زيارتك في مقبرة العود التي احتضنت جسدك الطيب ..
***
أبي .. أهديك ثواب هذا الكتاب وما أرجوه من نفعه ..
فيا ربِّ ! اجعل أبي يُسر به ..
ابنك المشتاق : منصور
مقدمة الجزء الثاني من سلسلة كتاب (معالم – مقالات وخواطر في الدعوة والتربية)
لا تعليق