(أخطر مفاجأة ! )

كم فتنت فتاةٌ من شابٍ والعكس، فتلذذوا بعلاقتهم المحرمة واستمروا ..

وكم أفسد تاجرٌ أو وجيهُ من مجتمع، فزادت ثرواتُهم وارتفعت مكانتُهم ..

وكم استمرأ مجتمعٌ معصيةً وجاهرَ بمنكرٍ، فـفُتِح عليه من خزائنِ الأرضِ والتمكينِ والأمن ..

فلمّا لم تَحِل بهؤلاء أيّ عقوبةٍ، ولم يروا أيّ نقصٍ في أحوالهم؛ تمادوا في تمردهم، وأمعنوا في إفسادهم، ولسان حالهم يقول:

إذا لم يُغبِّر حائطٌ في وقوعه                             فليس له بعد الوقوعِ غبارُ

ونسي أولئك أنّ تركهم على حالهم المقيتة والمفسدة، هو استدراج من الله تعالى لهم، لتزداد آثامهم فيزداد عذابهم في الآخرة إذا لم يتوبوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلا: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) رواه أحمد. قال الطبري: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ) “فلما تركوا العمل بما أمرناهم به على ألسن رسلنا“. (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) أي من الأموال والأرزاق والخيرات، فتصبح “الأرزاق والخيرات، والمتاع، والسلطان، متدفقة كالسيول؛ بلا حواجز ولا قيود! وهي مقبلة عليهم بلا عناء ولا كدّ، ولا حتى محاولة“.(حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً)، قال الطبري: “أتيناهم بالعذاب فجأة، وهم غارُّون لا يشعرون أن ذلك كائن، ولا هو بهم حالٌّ“، وقال قتادة:ما أخذ اللهُ قوماً قط، إلا عند سكرتهم وغرّتهم ونعيمهم“.

لقد اطمأن أولئك ولم يشعروا بمكر الله تعالى بهم، فأمِنوا منه، قال الحسن البصري: “الفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن“، وقال: “كم مستدرَجٍ بالإحسان إليه!، وكم مفتونٍ بالثناء عليه!، وكم مغرور بالستر عليه“. وقال ابن الجوزي: “وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله، فظن أن لا عقوبة، وغفلته عما عوقب به عقوبة، وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية“.
وقد يغتر أولئك بسبب ما يرونه من تيّسر المعصية لهم، أو إعجاب كثير من الناس بأعمالهم الفاسدة ورواجها، وغفلوا عن سُنّة الاستدراج، وعن حقيقة أن الباطل لا يدوم مهما انتفش، وأن الحق دامغه ومزهقه، قال الله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصلِحُ عَمَلَ ٱلمُفسِدِينَ)، قال السعدي: “وهكذا كلُ مفسدٍ عمِلَ عملاً، واحتالَ كيدًا، أو أتى بمكر، فإن عمله سيبطل ويضمحل، وإن حصل لعمله روجان في وقت ما، فإن مآله الاضمحلال والمحق“. 

وختاماً .. فينبغي ألاّ يغتر العُصاةُ بإمهال الله تعالى لهم، فإنه سبحانه يُمهل للظالم فإذا أخذه لم يفلته، فليعودوا إلى الله، فباب التوبة والإصلاح مفتوح لهم، فإن الله تعالى لما توعد المنافقين بالعذاب الشديد يوم القيامة؛ فتح لهم باب الرجوع والأوبة، فقال سبحانه: (إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصلَحُواْ وَٱعتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخلَصُواْ دِينَهُم لِلَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلمُؤمِنِينَ وَسَوفَ يُؤتِ ٱللَّهُ ٱلمُؤمِنِينَ أَجرًا عَظِيما). كما ينبغي للمصلحين أن يثبتوا، ويضاعفوا من دعوتهم، ويطمئنوا لعدل الله تعالى وسننه ووعده، (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ).

18 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *