لا تعليق
عند كل نجاح أمني ضد الفئة الضالة تسمع وتقرأ كلاماً من بعض الناس فيه شماتة بتلك الفئة ووصف لهم بأقذع الأوصاف وأشنعها * ، ولأن المسلم مأمور بأن تكون أقواله وأفعاله موافقة لدينه أينما اتجهت ركائبة ويدور معه حيث استقلت مضاربه ، فإن الأسطر التالية توضح أبرز المعالم التي يحسن بالمسلم تذكرها عند الحديث عن أفراد تلك الفئة ونحوهم :
- ينبغي –أولاً- أن يحمد المرء الله جل وعلا أن حفظه من الـتأثر بفكر تلك الفئة فضلاً عن مشاركتهم في أعمالهم ، فإن الهداية التي يتمتع بها أهل الحق والبصيرة والتي يميزون فيها بين صلاح العمل أو فساده هي منحة ربانية وهبة إلهية نالوها بلا حول منهم ولا قوة . قال ابن القيم تعليقاً على قول الله تعالى في وصف عباده المؤمنين : “وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ” 7 : الحجرات . يقول سبحانه: لم تكن محبتكم للإيمان وإرادتكم له ، وتزيـينه في قلوبكم منكم ، ولكن الله هو الذي جعله في قلوبكم كذلك ، فآثرتموه ورضيتموه .
- كما أن المسلم لا يملك الثبات على تلك الهداية إلا بتـثبيت الله عز وجل له ، فأصحاب القلوب اليقظة يخشون على إيمانـهم أن يُسلب في لحظة غفلة عن القلب أو عُجب بالنفس ؛ فـفي الحديث “إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء” رواه الترمذي ، وقد امتن الله سبحانه على نبيه بتـثبيته على الحق فقال : “وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا ” 74 : الإسراء . واستقر هذا المعنى الجليل عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان أكثر دعائه : “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك” رواه أحمد والترمذي .
وكان أبو هريرة يقول في آخر حياته: (اللهم إني أعوذ بك أن أزني أو أعمل كبيرة في الإسلام)، فقال له بعض أصحابه: يا أبا هريرة ومثلك يقول هذا أو يخافه وقد بلغت من السن ما بلغت وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت النبي وبايعته وأخذت عنه، قال: (ويحك، وما يؤمنني وإبليس حي).
ودخل جبير بن نفير على أبي الدرداء منزله بحمص فإذا هو قائم يصلي في مسجده ، فلما جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق ، فلما انصرف ، قال جبير : غفر الله لك يا أبا الدرداء ! ما أنت والنفاق؟ قال : اللهم غفراً – ثلاثاً – من يأمن البلاء ؟ من يأمن البلاء ؟ والله إن الرجل ليفتـتن في ساعة فينقلب عن دينه .
وقال إدريس الخولاني : ما على وجه الأرض من بشر لا يخاف على إيمانه أن يذهب إلا ذهب .
قال ابن القيم في نونيته:
لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن
- نهى الشارع الحكيم عن الشماتة بالعصاة لما فيها من تزكية النفس والركون إليها ، فحينما جيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم برجل يشرب الخمر ليقام عليه الحد وقد جُلد فيها مرات ، قال رجل : اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “لا تلعنوه” رواه البخاري ، ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : “لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويـبتليك” رواه الترمذي . وقد امتـثل ابن مسعود رضي الله عنه بهذا التوجيه النبوي أيما امتـثال فكان يقول : ” والله لو سخرت بكلب، لخشيت أن يحولني الله كلباً ” .
- قد كان بعض أفراد تلك الفئة في حال من التقوى والإيمان والعمل الصالح ثم انتكسوا وتغيرت أحوالهم ، فـفي مقابلة صحفية وصف أب مكلوم ابنه الذي قام بأحد الاعتداءات الآثـمة بأنه : “شاب متدين وكان مضرب مثل في استقامته وصلاحه إلى درجة أن شباب الجيران لا يمكن أن يذهبوا للتـنزه خارج الرياض إلا بوجوده، فهو مطيع وخدوم وحيائي ، وكان يؤذن في مسجد الحي الذي نسكنه وأحيانا يؤم المصلين ، وكان في رمضان يقف عند إشارة المرور قبل الإفطار بدقائق لإطعام الصائمين. وتساءل الأب: إنني مندهش كيف حدث هذا التحول الغريب في حياته“. فاللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتـنا .
إن تلك الأحوال التي كان عليها ذلك الشاب قبل انـتكاسته قد تكون أفضل بكثير من حال الشامتين به الآن .. فليحذروا .
- إن الشامتين بأصحاب الفكر الضال يزيدون مُصاب أهليهم مُصاباً ، وغمومهم غماً ، وهمومهم هـمَاً ، بشماتـتهم بأبنائهم وأقاربهم وهم بريئون من جريرتهم ؛ فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى .
تأمل – رعاك المولى- شدة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بمشاعر أقارب العاصي ولو كان كافراً ، فلما أسلم عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه كان المسلمون يقولون: هذا ابن عدو الله أبي جهل! فساءه ذلك، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ”لا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي”. ونهاهم أن يقولوا: عكرمة بن أبي جهل .
وختاماً .. فإن أكثر من اكتوى بنار أصحاب ذلك الفكر الضال ونالهم أذاهم هم رجال الأمن في وزارة الداخلية ، ومع ذلك فقد حافظت الوزارة – ولا تـزال – على اتـزانـها في تسميتها لهم ؛ فلم تصفهم رغم طول معاناتها معهم إلا بوصف (الفئة الضالة) ، ولم تـتضمن بياناتـها أي عبارة جارحة أو كلمة نابـية في حقهم ؛ تـمشياً مع آداب الدين وحفاظاً على مشاعر أقاربـهم ، فهل يكون أولئك الشامتون أكثر حرصاً وأعظم غيرة من وزارة الداخلية نفسها ؟ أفلا يسعهم ما وسع قيادتـهم من الحكمة والأناة وعفة اللسان والقلم ؟
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتـنابه ، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل .
* نشر بتاريخ 20/11/1430 هـ
* ومثل ذلك عند تنفيذ حد من حدود الله في أحد المسلمين
لا تعليق