لا تعليق
هي تلك الداعية التي لا تـتوقف عن التجديد والابتكار في فنون الدعوة إلى الله تعالى ، ولا تـنـتظر توجيهاً لتعمل أو نصيحة لتـتحرك ، بل همتها دائمة الترقي ، وفكرها دائم التوقد .
هذه الداعية المبدعة.. تحتـقر أعمالها في جنب الله تعالى، ولا تـحـتـقرها في ساحة الدعوة إليه، فأمام عينيها حديث نبيها وقدوتها (لا تحقرن من المعروف شيئاً).
صادفت إحدى المبدعات في حملة حج قبل عشرين سنة حيث بادرت في ليلة عرفة وأرسلت من مخيم النساء قصاصة ورقة ذكرت فيها أنها ترغب – مع بعض النساء – في إعطائنا مالاً لشراء الماء والمشروبات لتوزيعها على الحجاج يوم عرفة ، فاستجاب المشرف على الحملة لطلبها وأعلن عن المشروع ، فجُمع في تلك الليلة أكثر من سبعة آلاف ريال ، وفي ضحى يوم عرفه قُسِّم المال على ثلاث مجموعات من الإخوة فذهبوا واشتروا به من الشاحنات المبردة المنتشرة هنالك. والقصة لم تـنـته بعد ، فقد راقت الفكرة للجميع ونشروها وأصبحوا يجمعون المال لها من بلادهم قبل ذهابهم للحج .. يقول أحد من شارك في الفكرة عند أول تطبيقها : كنا – قبل عشرين سنة – نختار أي شاحنة نريد فنـشتري منها ، لا ينافسنا فيها أحد ، أما الآن فلا نكاد نجد شاحنة إلا ونرى الأخيار قد سبقونا لشراء كل ما فيها .
فيا أخية .. لا تـترددي في فعل المعروف مهما صغر أمره ، فإنك لا تدرين كيف يكون أثره وأجره .
هذه الداعية المبدعة .. تـنام وهي تحمل فكرة جديدة ، وتصحو فـتـفكر كيف تبدأ العمل بها .
كانت معلمة فيزياء في أحد مدارس الرياض إذا طلب منها تغطية حصة فراغ تأخذ حاسبها الشخصي المحمول وفيه مقاطع فيديو وفلاشات منوعة فتعرضها على الطالبات وتعلق عليها تعليقات تربوية موفقة فكانت لا تنـتهي الحصة إلا وقد غمرتها سعادة عظيمة بسبب ما تراه من تفاعل وتأثر الطالبات.
فيا أخية .. بادري بأفكار جديدة ، لتجعلي أيام الآخرين سعيدة .
هذه الداعية المبدعة .. لا يمنعها من طرح رأيها للآخرين كونهم أعلم منها ، فهي تؤمن أنه قد يوجد في الأنهار ما لا يوجد في البحار ، وتـتذكر أن أمها أم سلمة رضي الله عنها قد أزالت – بفضل الله – همًّ وغمَّ أفضل الأنبياء والمرسلين ، وأبعدت عن صحابته إثماً مبيناً عندما قدمت مشورتها في قصة الحديبية المعروفة.
وتلك الداعية تستحضر قول زوجة تـنصح زوجاً لها من كبار علماء السلف وهو يقرأ القرآن فتقول له : (ما أحسن صوتك بالقرآن ، فليته لا يكون وبالاً عليك يوم القيامة ) ؛ فيـبكي حتى يغشى عليه .. فدعته بذلك إلى التفتيش في قلبه ونيته ، ولم يمنعها من تذكيره مكانته منها ، أو مقامه لدى العلماء.
فيا أخية .. لا تـتأخري في عرض آرائك السديدة ، فإنها للغافلين مفيدة .
هذه الداعية المبدعة .. تعلم أن تقديم الدين للحيارى والتائهين ، ودعوتهم إليه لا ينـتظر توجيهاً من أحد ، حيث لم يغب عنها فعل أم شريك رضي الله عنها عندما وقع في قلبها الإسلام فأسلمت وهي في مكة ، والرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته في المدينة لا يعلمون بها – تأملي : لا يعلمون بها – فجعلت تدخل على نساء قريش سرَّا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام حتى أسلم على يديها نساء ، ثم ظهر أمرها فأبعدتها قريش إلى المدينة .. فلله درها ما أجمل مبادرتها .
كان مجموعة من الشقيقات المتزوجات يجتمعن كل أسبوع عند والدتهن وكل مرة ينتهي اللقاء بلا فائدة شرعية تذكر ، ولما رأت إحداهن أن كل واحدة منهن مشتركة في قناة لرسائل الجوال مختلفة عن الأخرى ، اقترحت أن يخصص نصف ساعة عند اجتماعهن لتقرأ كل واحدة منهن أبرز رسائل الجوال التي وصلت إليها خلال الأسبوع ويعلقن عليها، فاستفدن – وما زلن – من ذلك استفادة عظيمة ، حتى أن واحدة منهن لا يتبين لها – أحياناً – أوجه الفوائد المتنوعة من الرسائل التي وصلت إليها إلا عندما تسمع تعليقات أخواتها عليها .
فيا أخية .. ادعي الحائرات وذكريهم بالنعم ، فإنه خير لك من حمر النَّعَم .
هذه الداعية المبدعة .. لا تمنعها ظروفها وإمكاناتها المحدودة من تقديم النفع للآخرين .
أم يوسف حفظها الله إمرأة مُسنة في شمال الرياض يصدق فيها قول أحد السلف “إن قلوب الأبرار تغلي بأعمال البر” محبتها العظيمة لكتاب الله الكريم جعلتها تفكر كيف تخدمه وكيف تدخل في الخيرية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : (خيركم من تعلم القرآن وعلّمه) فدعت من ترغب في حفظ القرآن الكريم إلى الاتصال بها لتسميع حفظها عبر الهاتف في منزلها .. وبعد شهور أنهى عدد من طالباتها الحفظ وهن في منازلهن وأقامت لهن حفل تكريم في منزلها حضره جمع من موجهات ومديرات الدور النسائية .
وامرأة أخرى تعيش فراغاً طويلاً في وقتها لكون زوجها لا يأتي من عمله إلا قبيل المغرب ، فلم تستسلم للهموم بل جمعت أرقام هواتف الداعيات ودور التحفيظ النسائية ، ثم أخذت تـنسق لعقد محاضرات للداعيات في الدور وهي في منزلها .. والآن لا يتوقف رنين هاتفها من اتصالات مديرات الدور وغيرهن – وهي لا تعرفهن – يطلبن منها التـنسيق لعقد محاضرات عندهن ، وأغرب ما في الأمر أن هذه المرأة لم تقابل تلك الداعيات قط ، ولم تعرفهن من قبل ، ولكن حباها الله تعالى حلاوة في اللسان وجمالاً في الأسلوب والعبارة جعل الداعيات يتجاوبن لطلباتها.
فيا أخية .. لا تردك عوائق وظروف عن نفع الناس ، فإن أحب الخلق إلى الله أنفعهم للناس .
هذه الداعية المبدعة .. لا يثبطها تخذيل المخذِّلين ، ولا يفت في عضدها تشاؤم المتشائمين ، بل هي كالشجرة المثمرة ، يرميها الناس بالحجارة فتعطيهم الثمار اليانعة ، وهي متفائلة تـنظر إلى الأمور بإيجابية ، تقـتدي في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ( .. ويعجبني الفأل).
انتقلت معلمة إلى مدرسة جديدة ، فكان أول ما استقبلت به تحذير المعلمات لها من إحدى الطالبات المشاغبات التي لم يستطع أحد كبح جماح استهتارها ، أو الحد من قلة أدبها ، فلم تزدها تلك التحذيرات إلا عزيمة ورغبة في إصلاح حال تلك الفتاة بدلاً من اتخاذ الوسائل لكف شرها عنها . فأعدت أحسن العدة لذلك … دخلت على فصل تلك الطالبة فحيتهم بأجمل تحية وأظهرت مشاعر الود لهم ، وطلبت أن تُعرِّف كل واحدة باسمها ، وكان اسم الطالبة نادر الانتشار لكنه كان اسماً لأحد أمهات المؤمنين ، فلما جاء دور تلك الطالبة للتعريف بنفسها وكانت جلستها غريبة نظرت إلى المعلمة نظرة ازدراء وذكرت اسمها .. فصاحت المعلمة بكل فرح وابتهاج وقالت : ما شاء الله .. اسمك مثل اسم أم المؤمنين وزوجة أحب الناس إلينا .. ما أجمل اسمك .. هنيئاً لك به .. ثم بدت تقص قصصاً من سيرة أم المؤمنين تلك .. فأصابت الدهشة الطالبة فعدلت من جلستها ، وشخصت ببصرها إلى المعلمة .. وما هي إلا دقائق حتى سقطت دمعة حارة من الطالبة تأثراً بما سمعت .. واستمرت المعلمة يوما بعد يوم في رفع معنويات الطالبة وتشجيعها وزرع الثقة بها حتى أصبحت الآن – وقت كتابة هذه الأسطر- من أكثر الطالبات تميزاً وانضباطاً .
فيا أخية .. كوني داعية متفائلة متفانية ، وأزيلي اليأس عن كل أخت متشائمة متوانية .
ختاماً : أختي الكريمة : هذه بعض صفات الداعية المبدعة ، والمرجو أن تكوني كذلك ، فحاجة الأمة أشد من حاجة الرضيع إلى صدر أمه .
[1]* نشر في موقع دعوتها بتاريخ 17 شعبان 1430
لا تعليق