من سبر أحوال بعض الأغنياء يلحظ فرحهم بالغلاء وارتفاع الأسعار، خاصة إذا تسبب الغلاء في تقليل شريحة الطبقة الوسطى وزيادة طبقة الفقراء، وذلك لأن تميزهم عن غيرهم سيزداد حينئذ، فيُظهرون كِبرَهم بالتعالي والتباهي بما عندهم، وتسخير الكثير من الناس لخدمتهم.
فلا أغيظ لقلوب هذا الصنف من الأغنياء من رؤية عامة الناس يُشابهونهم -أو قريباً منهم- في ملابسهم ومآكلهم ومراكبهم.
أين هؤلاء الصنف من الأغنياء من حديث النبي r : ( من لا يَرحم لا يُرحم ) متفق عليه، وأينهم من السلف الذين كانوا يشفقون على الفقراء من الغلاء، قال أبو عمرو بن العلاء : إني لأبغض الشتاء ..وذكر من أسباب ذلك: وزيادة الكُُلفة على الفقراء.
رأى صحابي سحابا فكرهه، ثم تذكر وندم وقال: أني كرهت ما ينفع المسلمين. يعني أن نزول الغيث ينفع المسلمين حيث يكثر المرعى ويزداد نتاج بهيمة الأنعام.
وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: أَيُّ الطَّعَامِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الزُّبْدُ وَالْكَمْأَةُ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا هُمَا بِأَحَبِّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يُحِبُّ خَصْبَ الْمُسْلِمِينَ.
بل وصل الحال بأولئك الأخيار من السلف أنهم كانوا يكرهون أن يُعطي الرجلُ صبيه الشيء فيخرج به فيراه المسكين فيبكي على أهله، ويراه اليتيم فيبكي على أهله.
أخيراً .. ليس غريباً أن ترى فقيراً مُعدماً يحسد غنياً موسراً؛ أما أن تجد غنياً يحسد فقيراً، ويفرح بتضرره، فهو -والله- انتكاس في الإنسانية، وضياع للرحمة، وتشبع بالأنانية.
[1] نشر في موقع طريق الإسلام بتاريخ 26/2/1443