مُدَوّنة منصور بن محمد المقرن

لا توجد تعليقات

 لا يخفى على متأمل ظاهرة وحجم الضيق الذي يعانيه الكثير بسبب التعلق بالمظاهر المادية والتنافس المحموم عليها، والغفلة عن الدار الآخرة وعن العمل لأجلها.

وقد عنيت الشريعة بالتركيز على أسباب المظاهر السلبية في المجتمع وعلاجها أكثر من الحديث عن أعراضها. ومن ذلك بيان أن أبرز أسباب هذه الظاهرة : هو نسيان الآخرة وتعظيم الدنيا. لأن من تعلّّق قلبه بالدنيا ضعف تعلقه بالآخرة، ومن ضعف تعلّّقه بالآخرة ضعف عمله لها.

وقد بيّن القرآن هذا التلازم، فقال الله تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)

وقال سبحانه: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(

ومن استقراء الآيات التي ورد فيه ذكر الحياة الدنيا والآيات التي ورد فيها ذكر الآخرة، عرف منهج القرآن وعنايته في علاجه لهذه الظاهرة، فمن ذلك:

  1. ورد ذكر الحياة الدنيا في القرآن في معرض التقليل من شأنها أكثر من 50 مرة.
  2. ورد ذكر الآخرة على سبيل التعظيم أكثر من 70 مرة
  3. ورد ذكر الإيمان باليوم الآخر قرينا للإيمان بالله تعالى قرابة 20 مرة
  4. التنبيه على أن سبب معصية العصاة محبة الدنيا ونسيان الآخرة:

(كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ، وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) ، )إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا(،  )بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ۖ بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ(.

  1. التهوين من شأن الدنيا والتذكير بفضل الآخرة:

قال الله تعالى (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(، )اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(

  1. الدعوة إلى أعز مطلوب وهي التقوى بترك الاغترار بالدنيا:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)

  1. التحفيز إلى أشق الطاعات وهو الجهاد يكون بالتذكير بالآخرة وتحقير الدنيا:

(فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(

  1. خير نساء الأمة عرضة للتعلق بالدنيا:

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)

  1. حتى المجاهدين في ساحة المعركة مُعرَّضون للوقوع في المعاصي إذا أرادوا الدنيا:

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ۚ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ).

)مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ (

  1. من أول ما يُذكّر به الدعاة أقوامهم: التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة:

)يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ(

  1. ترك مصاحبة الأخيار بسبب طلب الدنيا:

(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)

  1. النهي عن النظر إلى ما عند الآخرين من زينة:

)وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ(.

 

ومن تأمل السيرة النبوية وجد عناية الرسول r بتعزيز هذا الأصل قولاً وفعلاً؛ الشيء العظيم.

وعلى ما سبق، فما أحرى الدعاة والمربين أن يولوا هذا الأصل العظيم (تعظيم الحياة الآخرة، وتحقير الحياة الدنيا في نفوس المدعوين والمتربين) عنايتهم في دعوتهم، قال ابن القيم رحمه الله: ( لو سلك الدعاة المسلك الذي دعا الله ورسوله r الناس إليه لصلح العالم صلاحاً لا فساد معه ).

[1]  نشر في موقع طريق الإسلام بتاريخ 27/6/1443 الموافق 30/1/2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *