لا تكمن جاذبية المرأة وجمالها في وجهها أو شعرها أو قوامها فقط؛ بل تمتد إلى مشيتها، وخاصة إن كان فيها تغنج ودلال. وقد تغزل شعراء في مشية نساء، فقال أحدهم:

                 وكأنّ مشيتها من بيت جارتها *** مرّ السحاب لا ريث ولا عجل

وتزداد جاذبية المشية للمرأة إن كانت تلبس الخلخال وتضرب برجلها لينتبه الآخرون لها؛ فيسترقون نظرة إلى الخلخال وما حوله وإلى صاحبته! وقد يفتـتن رجال بسبب ذلك؛ ولهذا حذر العليم الخبير بدواخل النفوس من ذلك فقال سبحانه: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعلمَ ما يُخفين من زينتهن)، قال ابن كثير رحمه الله: “أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة“. وأكدَّ أبو السعود رحمه الله في تفسيره على نفس المعنى وزاد عليه، فقال: “ولا يضربن بأرجلِهنَّ الأرض ليتقعقع خلخالهن فيُعلم أنهن ذوات خلخال، فإنَّ ذلك ممَّا يُورث الرِّجالَ ميلاً إليهنَّ، ويُوهم أنَّ لهنَّ ميلاً إليهم. وفي النَّهيِ عن إبداء صوتِ الحُلي بعد النَّهي عن إبداءِ عينها من المبالغةِ في الزَّجرِ عن إبداء موضعها مالا يخفى“.

واستدل السعدي رحمه الله بهذه الآية على تقرير قاعدة سد الذرائع فقال: “ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحاً، ولكنه يُفضي إلى مُحرَّم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يُمنع منه. فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لمَّا كان وسيلة لعلم الزينة، مُنع منه“.                                               

وأشير إلى ملمح نفسي لطيف في الآية حين قيل: ” وإنها لمعرفة عميقة بتركيب النفس البشرية وانفعالاتها واستجاباتها، فإن الخيال ليكون أحياناً أقوى في إثارة الشهوات من العيان … وسماع وسوسة الحلى أو شمام شذى العطر من بعيد، قد يثير حواس رجال كثيرين، ويُهيّج أعصابهم، ويفتنهم فتنة جارفة لا يملكون لها رداً.

وقد ذهب الغزالي رحمه الله إلى أبعد من ذلك، فقال في عبارة طريفة دقيقة: “إن الصَّبَّ الـمُتيّم يُــثير شهوتَه سماعُ صوتِ الهون تدق به حبيبته“، والهون هو ما تُدق فيه التوابل ونحوها.

إن هذه الآية ونحوها جزء من مكونات الأطر العامة والملامح الرئيسة للمنهج الإسلامي المتعلق بحدود تعامل المرأة مع الرجل الأجنبي، حيث يجدها الناظر تضع الحواجز لمنع الاستثارة بين الجنسين، وتسن الأحكام للترهيب من الوقوع في مقدماتها، وتَحدُّ الحدود لمعاقبة من تجاوزها فوقع في الفاحشة.

إن ديناً وتشريعاً يمنع ويُحرِّم أن تضرب المرأة برجلها ليُسمع صوت خلخالها لمجرد احتمال أن يفتتن رجل بذلك؛ ليَمنع ويُحرِّم – من باب أولى-ما هو أعظم من ذلك كالتبرج والسفور والاختلاط والخلوة والخضوع في القول، وذلك سداً لمنافذ الافتتان، وحفاظاً على طهارة ونقاء المجتمع، وصيانة لأخلاق رجاله ونسائه.

إن ” منهج التربية الإسلامية في هذه الناحية هي تضييق فُرص الغواية، وإبعاد عوامل الفتنة، وأخذ الطريق على أسباب التهييج والإثارة” وعليه ” فهذا الدين لا يُعرِّض الناسَ للفتنة ثم يُكلف أعصابهم عنتاً في المقاومة! فهو دين وقاية قبل أن يُقيم الحدود ويُوقع العقوبات. وهو دين حماية للضمائر والمشاعر والحواس والجوارح. وربك أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير”.

ومن هنا فلا يأتي متحذلق فتّان فيأخذ بنصٍ أو حادثةٍ موهمة مشتبهة ويُخرجها عن تلك الأطر العامة، ويَفصلها عن سياقها من النصوص الشرعية المتظافرة، ليجوِّز بها السفور أو الاختلاط، فإن فعل ذلك فهو ممن اتخذ القرآن عضين، وآمن ببعض الكتاب ولم يؤمن ببعض.

ومن هنا أيضاً فإن أيسر وأنجع طريقة للمنافحين عن الدين والفضيلة هو بذل مزيد عناية وتركيز في بيان مقاصد الدين ومحاسنه ومنهجه وحدوده العامة المتعلقة بالمرأة، وألا تطرح قضاياها بمعزل عن ذلك؛ من أجل اختصار الأوقات والجهود، وتحصين الناس -بإذن الله-من الدعاوى التي يُطلقها دعاة الضلالة بين فينة وأخرى.

[1]  نشر في موقع لها أون لاين بتاريخ 22/1/1437

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *