(.. فمِنكَ وحدَك ..)

تفوّق طالبٌ في دراسته فـنَسب ذلك إلى ذكائه واجتهادِه، وحصل موظفٌ على ترقية فعزا ذلك إلى فهمه وقدراتِه، وتضاعفت أرباحُ تاجرٍ فافتخر بحسن إدارته وإمكاناتِه، وتبوأ رجلٌ مكانة فأرجع ذلك إلى كبراء ووجهاء وطّد معهم علاقاتِه.

أيها السادة! كم مرة نسمع أشخاصًا ينسبون ما بهم من نعمة إلى أنفسهم أو إلى غيرهم، وينسون المنعم والمتفضل الأعظم عليهم، وهو الله جلّ جلاله، قال تعالى: (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، قال ابن كثير: “مَا بِالْعَبْدِ مِنْ رِزْقٍ وَنِعْمَةٍ وعافية ونصر فمن فضله سبحانه عَلَيْهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ”، وقال ابن القيم: “فليحذر كل الحذر من طغيان: (أنا) و (لي) و (عندي)، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي فيها إبليس، وفرعون، وقارون: فـ (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) لإبليس، و (لِي مُلْكُ مِصْرَ) لفرعون، و (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي) لقارون“.

فالله جل جلاله يختبر عباده بالنعم لتمحيصهم، فقد حكى الله تَعَالَى عَن نبيه سُلَيْمَان لما رأى عرش بلقيس عِنْده قوله: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أم أكفر).

وفي نسبة النِّعم إلى غير الله تعالى، جحودٌ لكرم المنعم سبحانه! الذي لا ينقطع، وفوات للزيادة من النعم، بل والتعرض لمقت الله وغضبه؛ فقد قال تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). وفي ذلك أيضاً الجزع والحزن عند جفاء من يرى أنه هو المنعم عليه من البشر أو موته. إضافة إلى أن فيه تعلّقًا بالمخلوقين لطلب النفع ودفع الضر، وما قد يتطلبه هذا من تذلل لهم، أو طاعتهم في معصية الله تعالى؛ قال الرازي: “وكُلُّ نِعْمَةٍ حَصَلَتْ لِلْإنْسانِ فَهي مِنَ اللَّهِ تَعالى لِقَوْلِه: (وما بِكم مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِفَثَبَتَ بِهَذا أنَّ العاقِلَ يَجِبُ عَلَيْهِ ألَّا يَخافَ ولا يَتَّقِيَ أحَدًا إلّا اللَّهَ“.

ولأهمية استشعار النِعم ونسبتها إلى الله تعالى؛ أمر سبحانه أنبياءه بتذكير أقوامهم بنعم الله عليهم، كما ذكّر سبحانه عباده في مواضع كثيرة من القرآن بنعمه عليهم، بل الأعجب أنه تعالى ذكّر حتى أنبياءه -الذين لا يغفلون عن عبادته- بنعمه عليهم؛ فقال لموسى: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ، إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ)، وقال لعيسى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ)، وقال لصفيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ألَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوى، ووَجَدَكَ ضالًّا فَهَدى، ووَجَدَكَ عائِلًا فَأغْنى)

ولأجل أن يتذكر المسلم دائماً المنعم الأكبر سبحانه؛ شرع الله تعالى ذِكراً يقال عند كل صباح ومساء، وهو قول: (اللَّهُمَّ ما أصبح/أمسَى بي مِن نِعمَةٍ أو بِأحَدٍ مِن خَلقِكَ فَمِنكَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ فَلَكَ الحَمدُ وَلَكَ الشُّكرُ) رواه أبوداود.

فما أجمل أن نُذكِّر أنفسنا ومن حولنا من أهلٍ وغيرهم -في كل حين- بالمنعم الأعظم سبحانه؛ حتى تطمئن النفوس، وتزداد النعم، وتتحرر الإرادة، وترتفع الجباه.


اضغط الرابط  للانضمام لقناة (التليجرام) مقالات، خواطر، تصاميم، مقاطع

https://t.me/mafahiem

8 تعليقات

  • الحمد لله على نعمة الإسلام، الحمد لله على الصحة في الأبدان، الحمد لله الذي جعل لنا بعد الخطأ استغفارا ، الحمد على نعمه الظاهرة والباطنة ، الحمدلله حمدا حمدا ،و الشكر لله شكرا شكرا
    جزاكم الله خيرا

  • الحمد لله على كل نعمة المنسية والمعتاده والمفرحة والمخزنة
    اللهم لك الحمد على النعم التي نعلم ولا نعلم بها

    بارك الله فيك
    التذكير بين فتره واخرى مهم جدا

  • اللهم للك الحمد والشكر كله …
    اللهم لك الحمد ملء السموات وملء الأرض …
    لك الحمد بالإسلام ولك الحمد بالقرآن ولك الحمد بالنبى العدنان ولك الحمد بالأمن والأمان ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاه

  • جزاكم الله خير
    نعم واعظم نعمة نعمة الهداية للاسلام
    والثبات عليه
    والعلم الشرعي والفهم
    والستر والعافية
    “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها”

    اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين
    ولا تجعلنا من الغافلين الكافرين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *