أفياء في مجلس عزاء [1]

في مجلس عزاء لقريب حبيب، ظهرت معاني إيمانية وتربوية واجتماعية لطيفة، والمرجو أن يكون في تأملها خيرٌ ..

فمنها: جمالية ديننا العظيم الذي حثّ المسلمين على التآزر والتعاضد فيما بينهم وفي جميع أحوالهم، ومنها عند حلول المصيبة، ففي الحديث: (ما من مؤمن يُعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حُلل الكرامة يوم القيامة) [2] ، ففي التعزية تسلية للمُصاب، وإعانته على الصبر والرضا، وعدم تركه لوحده لاحتمال استحواذ وساوس الشيطان عليه.

ومنها: تجدد وتعزيز الترابط والتآلف بين الأسر وبين الجيران، بعد أن حالت كثرة المشاغل والغفلة دون ذلك. وقد قيل : إنك قد تنسى الذي شاركك أفراحك، ولكنك لا تنسى الذي شاركك أحزانك.

ومنها: ذِكر بعض المعزين لمآثر المتوفى وخصاله الحميدة. وفيه تنبيه للحاضرين أن يسأل كل واحد نفسه إن كانت فيه هذه الخصال فيعززها ويعتني بها، وإن لم تكن فيه فيحرص على التحلي بها.

ومنها: لقاء بعض المعارف والأصدقاء الذين طال العهد بهم، وفيه تجديد العلاقة معهم، والوعد بالتواصل والزيارة بينهم.

ومنهالهج الألسن بالدعاء لذوي المتوفى ومن معهم بعِظم الأجر لهم وجبر مصابهم، وفي استحضار ذلك تعلّق القلب بالله تعالى عند سماع الأدعية بأن يستجيب سبحانه لهم، فتثقل موازين أعمالهم، وتتضاعف أجورهم، بسبب آلاف الدعوات التي رُفعت في سويعات وأيام العزاء. فما أهنأها من غنيمة، وما أعظمها من عطية!

ومنها: مقابلة شخصيات ذات فضل وشرف وسماع حديثهم، ولم يكن بالحسبان مقابلتها، والحظوة بمحادثتها.

ومنها: حضور الفتيان والشباب للتعزية بشكل ظاهر، وفي ذلك معرفتهم بواجبهم، وشعورهم بدورهم، وضرورة الاحتفاء بهم.

ومنهاظهور مكارم الأخلاق، ومعادن الرجال، كأن يترك أحدهم مكانه لآخر ليُقرب مجلسه من ذوي المتوفى، أو يخرج بعضهم إذا رأى المجلس قد أصبح ممتلئاً ليُفسح لداخلين، أو يُبادر الشباب للسلام على كبير سن عند دخوله فلا يتركونه يدور في المجلس للسلام عليهم.

ومنهافي مجلس العزاء تتقارب قلوب كانت متنافرة، وتتآلف نفوس كانت متشاحنة. فما أسعد من استثمر أجواء العزاء فاحتضن مُشاحِن، وعانق مُقاطِع، وابتسم لمُخالِف.

———————–

[1]  سُئل الشيخ ابن باز عن استقبال المعزين والجلوس للتعزية، فقال: “لا أعلم بأساً فيمن نزلت به مصيبة بموت قريب، أو زوجة، ونحو ذلك، أن يستقبل المعزين في بيته في الوقت المناسب؛ لأن التعزية سنة، واستقبال المعزين مما يعينهم على أداء السنة؛ وإذا أكرمهم بالقهوة، أو الشاي، أو الطيب، فكل ذلك حسن” مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (13/373)

[2]  رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني

10 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *