أبرز هويّتك !

يتـنادى المثقفون في بعض دول أوروبا لحماية هويّة بلادهم من التأثر بالثقافة الأمريكية رغم انتماء الجميع لمنظومة دينية وأخلاقية واحدة؛ ومن باب أولى أن يتنادى المصلحون في بلاد المسلمين لحماية هوية[1] مجتمعاتهم، خاصة وأن فئاماً من المسلمين يجهلون هويتهم أو لا يعتزون بها، بل وقد يخجلون من إظهارها، وترتب على ذلك: سرعة التأثر بالسلوكيات والمعتقدات المخالفة، والشعور بالضعف والمهانة أمام الحضارة الغالبة، وحلول الهويات الأخرى مكان الهوية الإسلامية: كالوطنية والقومية والإنسانية. 

وتظهر أهمية إبراز هوية الأمة في أنها:

تزرع الانتماء والعزة في المجتمع، بل هي مصدرها. وتنمي حب الأمة والدفاع عنها. وتحافظ على وحدتها. وتزكي المجتمع وتحميه من المعتقدات والسلوكيات الخاطئة. وتعزز الترابط والتكافل والتراحم. وتوجد حالة من الشموخ والاستعلاء أمام الثقافات الأخرى تمنع من التأثر بها.

ولهذا حرص الأعداء على إبعادنا عن هويتنا، للسيطرة علينا واشغالنا عن النهوض من كبوتنا. قال المفكر الشهير عبدالوهاب المسيري عن الهوية أنها: “هي حلبة الصراع الحقيقية بيننا وبين العدو“.

وعليه، فإن تذكير الأمة بأبرز أركان هويتها (الدين والتاريخ واللغة) ودعوتها للاعتزاز والتمسك بها يُعدّ من أوجب واجبات المصلحين، فالدين أهم أركان الهوية لأنه دين الأمة الذي ارتضاه الله تعالى لها، ووعدها بالعزِّ والتمكين إن هي تمسكت به، قال الله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا  يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إنا كنا أذلّ قوم فأعزنا الله بالإِسلام, فمهما نطلب العِزَ بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله“، وقال الله تعالى (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)، قال القرطبي “فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر ويدخل دار العزة, فليقصد بالعزّة الله سبحانه والاعتزاز به فإنه من اعتز بالعبد أذله الله، ومن اعتز بالله أعزّه الله” وقال أبو بكر الشبلي “من اعتز بذي العِز، فذو العِزِّ له عِـزٌُ“،  فغرس تعظيم الله تعالى، وكتابه، ونبيه صلى الله عليه وسلم في النفوس، وبيان محاسن دينه، وبطلان كل الأديان عداه، أولى ما يُدعى الناس إليه. [2]

أما التذكير بالركن الثاني لهويتنا وتعزيزه وهو التأريخ، فلأن فيه سير عظمائنا، وتيجان فخرنا، ومآثر حضارتنا، ومنه نستل معالم عودتنا،  وهو مُلهمنا ومحفزنا لإعادة بناء مجدنا.

نبني كما كانت أوائلُنا تبني                                      ونفعل مثل ما فعلوا

ولهذا حرص المفسدون على طمس تاريخنا أو التقليل من ذكره وتهوينه، واستبداله بتواريخ الأوطان وبالتأريخ الميلادي. ومن أعجب ما يُذكر ههنا، أن الدول المستعمَرة من فرنسا لم يكن يُدرس فيها تاريخ تلك الدول، بل تاريخ فرنسا !.

أما التذكير بركن الهوية: اللغة، فلأنها لغة كتاب ربنا، ولغة نبينا صلى الله عليه وسلم، ومعرفتها طريق لتدبر القرآن وفهم الأحاديث والعمل بهما. ولأهميتها عَمِلَ الخصومُ على تجهيل الأمة بجمالها وبمفرداتها، وشجعوا على مزاحمة اللغة الإنجليزية لها، كتسمية المتاجر والأماكن بها، وجعلها متطلباً لكل وظيفة حتى لو لم تكن هناك حاجة لها.

وختاما .. فإن بناء البرامج والمشاريع الإصلاحية على أركان الهوية تلك، يُعجّل بإذن الله بصلاح أحوال شبابنا، ورقي مجتمعنا، وعِز أمتنا.

—————————————-

[1]  الهوية هي السمات العقائدية والسلوكية التي تتصف بها الأمة وتشعر بتميزها بها عن غيرها. وأبرز أركانها: الدين والتاريخ واللغة

 [2]  يمكن الرجوع إلى كتاب (تعال إلى العَظَمَة) عن تعظيم الله تعالى وكتابه ونبيه ودينه

13 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *