إذا دعاكَ مَـلِك !

دعاه ملِكٌ إلى قصره المشيد، فانتشى فرحاً، وتنظف ولبس أحسن ثيابه وتطيّب بأزكى أطيابه . سار لتلبية الدعوة في جوٍ حار فأذهب العرق رائحة عطره، ومرّ على أوحالٍ فاتسخت ثيابه، وهبّت عاصفةٌ فاغبر وجهه.

لمّا اقترب من قصر الملك وقف حائراً حزيناً يتساءل: أيدخل على الملك بهذه الهيئة؟ أهكذا تكون استجابته لدعوة الملك وكرمه؟ ماذا سيقول الملك له وهذه حاله؟

مشى بخطى متـثاقلة، واقترب أكثر من القصر، رأى غُرفاً في الخارج، دخلها، وما أشد فرحته، وجد مياهاً باردة، وثياباً زاهية، وعطوراً زاكية. اغتسل ولبس من تلك الثياب، وتطيب من تلك العطور، ثم دخل على الملك، فلمّا رآه في تلك الهيئة المضيئة، والطلّة البهيّة، أحسنَ وفادته وأكرمه، وأجزل له العطايا والهبات.

هذه القصة الرمزية، تشبه حالنا في سيرنا في هذه الحياة لنلاقي  – بعد حين – ملك الملوك سبحانه، (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) مريم 93. في طريقنا إلى الله تعالى نتعثر مرّة، ونخطئ مرّات، ولا عجب في ذلك فـ (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ)[1] ، لكن ربنا الرحمن الرحيم يعلم ضعفنا وتقصيرنا، فلا يُحبُ سبحانه أن نلقاه بهذه الحال؛ فتفضل علينا – من ضمن ما تفضل به – بشهر رمضان ليُطهرنا من خطايانا قبل قدومنا عليه، وليغسل ذنوبنا قبل وقوفنا بين يديه، ففي الحديث: (مَن صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)[2].

فهل نـفرح بدعوة ملك الملوك لنا، فنسعى ليزيل رمضان درننا، ونجتهد ليمحو زللنا، حتى إذا وفدنا على ربنا فرح بنا وأجزل لنا العطايا وأدخلنا جنته؟.

إذا طال عليك الطريق إلى الله تعالى واتعبك المسير؛ فتسلح بالعزيمة واملأ قلبك بمحبته والشوق إلى لقائه سبحانه، قال ابن القيم “فإن العزيمة والمحبة تُذهب المشقة، وتطيّب السير[3]، وقال “فالشوق يحمل المشتاق على الجد في السير إلى محبوبه، ويُقرِّب عليه الطريق، ويطوي له البعيد ويهوِّن عليه الآلام والمشاق[4]. وإذا استوحشت في الطريق في رمضان أو غيره بسبب قلة السالكين، فتذكر أنك ستلحق بالركب المبارك الذين قال الله عنهم: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) قال ابن القيم: “قال بعض السلف: (عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين)، وكلما استوحشت في تفردك، فانظر إلى الرفيق السابق، واحرص على اللحاق بهم، وغض الطرف عمّن سواهم، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم، فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك[5].

[1]  رواه الترمذي وأحمد

[2]  رواه البخاري

[3]  كتاب الفوائد

[4]  كتاب زاد المعاد

 [5]  كتاب مدارج السالكين

14 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *