(ما الذي يُحركك ؟)

أراد أن يتزوج؛ فوضع معايير اختياره: المال والنسب والجمال، ثم بحث عن فتاته حتى وجدها فتزوجها. وآخر أراد التجارة فرتب محددات اختياره: هامش الربح، والضمان، وعدم مخالفتها الأنظمة، فلما اجتمعت له في تجارة بدأها. وفتاة تبحث عن وظيفة فجعلت اختيارها مرتبط بمقدار الراتب والمزايا، وعندما وجدتها تقدمت لها.

أيها الأكارم: هذه الأحوال ونحوها نشاهدها كثيراً في حياتنا، وقد لا يستغربها بعضنا، لكن الملاحظ أنه رغم الأهمية البالغة للقرارات سالفة الذكر إلا أنه ليس من محددات القرار لأي منها موافقته للشريعة من عدمه!

لقد ضعفت مرجعية الدين وبهتت مكانته في حياة كثيرين عند اتخاذ قراراتهم سواء الكبير منها أو الصغير، ولعل أبرز أسباب ذلك:

  • طغيان النظرة المادية للأشياء وتقييمها، فما يُحقق المكاسب والمنافع الدنيوية فهو الأولى والأفضل في رأي الكثيرين، ولو كان محرماً شرعاً، بل وصلت النظرة المادية إلى اعتبار اتجاه ورأي الأكثرية هي المحدد في فعل الشيء أو تركه، وانظر –مثلاً- إلى ضغط الموضة و (الترند) على سلوك وملابس وهيئة بعض الرجال والنساء، حتى أنهم يخضعون لها ويتبعونها ولو كانت تُظهرهم في هيئة مزرية مضحكة. إن تكلفة مجاراة الموضة و (الترند) أشق بكثير من اتباع أحكام الدين، لو فقه ذلك الماديون وزالت حُجب المجاراة عن عقولهم. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم (أي حتى لو ثقل الحق على نفوسهم)، وحُقَّ لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً“.
  • الجهل بهيمنة الدين على كل مناحي الحياة وأن الرجوع إليه واجب حتمي، ليس عند التحاكم والخلاف فحسب بل عند اتخاذ القرارات وتنفيذ الأعمال وتكوين المعتقدات، فليس للمسلم خيار إلا ما قضى الله تعالى به (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ)، فإن ديننا من لدن ربٍّ حكيم عليم بما يصلح لعباده (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
  • اعتبار بعض أحكام الدين آصاراً وأغلالا تُقيّد الاستمتاع بالحياة وبهجتها، ونسوا أن القرآن أنزل من إله رحيم لطيف بعباده (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ)، (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)، وعلى رسول لا يريد المشقة بأمته بل هو رؤوف رحيم بهم (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
  • الغفلة عن الغاية من وجودنا في الدنيا، وهي تحقيق العبودية لله ربِّ العالمين (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)، ونسيان اليوم الآخر والحساب والجزاء (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)

وختاماً .. فإن من الضرورة المتحتمة رجوعنا إلى أحكام ديننا في جميع أفعالنا ومعتقداتنا، مما يستلزم مراجعة سلوكنا ومواقفنا بما فيه مرضاة خالقنا، والتي بها تطمئن قلوبنا وتسعد أرواحنا. ومن جانب آخر؛ فإن من أولى الأولويات في الطرح الدعوي والوعظي هو: معالجة الأسباب السالف ذكرها في المجتمع، ففيه اختصار للأوقات، وتوفير للجهود؛ لأن من اهتم بالأهم سهل عليه المهم.

16 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *