(سُمعةٌ في مهبِّ الريح !)

قال له صاحبه وهو يناقشه: ألا يزعجك كلام الناس فيك بسبب أفعالك المشينة؟. وقالت لها صاحبتها وهي تحاورها: ألا يؤلمك كلام الناس فيك بسبب تبَرُجكِ، ومخالطتك الرجال وكأنك أحدهم؟، فكانت ردودهم متقاربة، يقولون: ما دمنا مقتنعين بما نفعل؛ فلا يهمنا ما يقوله الناس فينا.

مهما تعددت وتنوعت السلوكيات المخالفة لقيم المجتمع والدين عند هؤلاء إلا أن مواقفهم واحدة؛ وهي عدم الاكتراث بالناس.

سمع الأحنف بن قيس رجلاً يقول : “ما أبالي أمُدِحتُ أم هُجيت! فقال الأحنف: استرحتَ حيث تعب الكِرام“، وفي مثل هذا قيل: “يرى الشتمَ مدحاً والدناءةَ رفعةً”.        

وقد يكون منشأ السلوكيات المشينة عند هؤلاء؛ متمثلاً في السببين التاليين منفردين أو مجتمعين:

السبب الأول: ضعف خُلق الحياء عنده بسبب نشأته وتربيته، أو بسبب ما عنده من الجاه والمال والمكانة التي تجعله ينتقص ويحتقر الآخرين مهما كثروا، فلا يبالي برأيهم فيه. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ ممَّا أدرك النَّاسُ من كلامِ النُّبوَّةِ الأولَى: إذا لم تستحِ فاصنَعْ ما شئتَ) رواه البخاري، قيل في معنى الحديث معنيان: أحدهما: أنه أمرٌ بمعنى التهديد والوعيد، والمراد: إذا لم يكن حياء، فاعمل ما شئت، فإن الله يجازيك على ما صنعت. والآخر: أنه أمرٌ بمعنى الخبر، والمراد: أن من لم يستحِ صنع ما شاء؛ فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياءٌ، انهمك في كل فحشاء ومنكر. قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: “لا خير فيمن لا يستحي من الناس” وقال ابن القيم: “من لا حياء فيه فليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء“.

ورُبَّ قبيحةٍ ما حال بيني                       وبين ركوبها إلا الحياءُ

السبب الثاني: الهشاشة النفسية والأخلاقية عنده؛ مما يجعله ضعيفاً أمام المغريات وموجات التفكك والموضات، فلا يستطيع الصمود أو مقاومتها، فيُجاري الآخرين؛ ولكنه لا يُظهر لمنتقديه هذا الضعف، بل يُريهم أنه يفعل ما يفعله من الأعمال المشينة قناعة ورضا بها، وأنها ليست مستقبحة عنده أصلاً وإن كانت عند الأكثرية منكرة. أورد ابن الجوزي هذه الحكاية الرمزية عن الضعفاء أمام المغريات، فقال: “قال الكلبُ للأسد: يا سيّد السباع! غيّر اسمي؛ فإنه قبيح. فقال له: أنت خائن، لا يصلح لك غير هذا الاسم. قال: فجربني. فأعطاه قطعة لحم، وقال: احفظ لي هذه إلى غدٍ، وأنا أغيّر اسمك. فجاع الكلب، وجعل ينظر إلى اللحم، ويصبر، وينظر ويصبر، فلما غلبته نفسه، قال: وأي شيء باسمي؟! وما كلبٌ إلا اسمٌ حسن. فأكل!“.

وفي مقابل هذه النفوس التي لا تأبه بمكانتها عند الناس رغم رذائلها؛ هناك نفوس شريفة كريمة تصون سمعتها من الدنس حتى ولو لم يتطرق إليها ظن السوء أصلاً، فقد كان نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم يسير ليلاً مع زوجته صفية رضي الله عنها فمرّ رجلان من الأنصار رضي الله عنهما، فلما رأيا رسول الله أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على رِسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله “أي لا يتطرق الشك فيك البتة”، فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًا، أو قال شيئًا) رواه البخاري. وقد كان أنس رضي الله عنه من أحرص الناس على التبكير لصلاة الجمعة، فشاء الله تعالى أن يتأخر عنها يوماً لأمر عارض، وفي طريقه لها رأى الناس راجعين منها، فدخل محلاً حتى لا يروه. وقال: “من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله“.

19 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *