الزلزال الأرضي و الزلزال النفسي

الزلزال الأرضي يحدث على الأرض فيدمر بيوتاً ومنشآت، أما الزلزال النفسي فيكون في القلب فيُحدث زيادة إيمان وتقى أو فجوراً ونفاقاً.

الزلزال الأرضي يحدث – بأمر الله تعالى – بسبب تصدعات في طبقات الأرض، أما الزلزال النفسي فيحدث بسبب خوف وابتلاء يُصيب القلب.

حدثت للأمة عبر التاريخ زلازل نفسية عديدة، كان من أبرزها ما حدث في غزوة الخندق عندما تمالأت قوى التحالف الكافرة خارج المدينة مع قوى الغدر والخيانة داخلها (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)، فما زاد هذا الزلزال قلوب المؤمنين إلا إيماناً وتسليماً، وما زاد قلوب المنافقين وضعاف النفوس إلا هلعاً وقنوطاً.

والزلزال النفسي لا مفر منه، ولا مناص عنه، فهو اختبار من الله تعالى لعباده الطامعين بجناته إن كانوا حقاً يطلبونها، قال تعالى: (أمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا)، قال السعدي: ” يخبر تبارك وتعالى أنه لا بد أن يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم, فهي سنته الجارية, التي لا تتغير ولا تتبدل, أن من قام بدينه وشرعه, لا بد أن يبتليه، فإن صبر على أمر الله, ولم يبال بالمكاره الواقفة في سبيله, فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها, ومن السيادة آلتها. ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله, بأن صدته المكاره عما هو بصدده، وثنته المحن عن مقصده, فهو الكاذب في دعوى الإيمان“.

وكما تحدث زلازل نفسية على مستوى الأمة، تحدث كذلك زلازل نفسية على مستوى الأفراد؛ فقد تجد في بلاد المسلمين رجلاً فاضلاً صاحب مبادئ وقيم، فيصيبه زلزال حب الشهرة والمال والجاه، أو زلزال الخوف أن تصيبه دائرة، فلا يختار – لضعفه عن مواجهة البلاء – أن يتوقف عن نشر مبادئه السامية ويصمت، لحديث (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) متفق عليه، بل قد يتجاوز ذلك إلى أن يكون عوناً على الفساد.

وقد تجد رجلاً صاحب مكانة يصيبه زلزال الخوف على مكانته أو زلزال الطمع في الزيادة، فيُسخِّر مكانته لهدم الفضيلة أو ظُلم الناس.

وقد تجد فتاة تربت على الحجاب والستر فيصيبها زلزال الوظيفة والمال، أو زلزال الخوف من السخرية فتـترك حجابها وتتبرج لأجل ذلك.

وختاماً .. فإذا كانت البنايات في المناطق المعرضة للزلازل تُبنى وفق مواصفات هندسية معينة لتجنب آثار الزلازل الأرضية المدمرة، فإن القلوب الـمُعرَّضة للزلازل النفسية – وكل القلوب مُعرَّضة لذلك –  ينبغي أن يكون فيها ما يُقويها ويقيها من آثار الزلازل النفسية إن حدثت. وأعظم ما يحقق ذلك: عمارة القلب بتعظيم الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه وغيرها من أعمال القلوب، لتثمر استجابة الجوارح وانقيادها لله عز وجل.

16 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *