ثبوت قَدَمِ الإسلام
الدفاع عن الأحكام الشرعية كالمواريث، والتعدد وغيرها، وبيان الحِكمة منها، يعتمد -في المقام الأول- على مَن نُخاطب.
فإذا كان الخطابُ موجهاً للمسلمين؛ فإن في ذلك خلل منهجي في فقه الدعوة، إذ أن المسلم الحق يستسلم لأحكام الشريعة جملة وتفصيلاً، حتى لو لم يظهر له الحكمة الربانية فيها، وذلك لأنها صادرة من عليم حكيم سبحانه، بل هذا من مقتضى إيمانه بالله رباً وبالإسلام ديناً.
قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم)، قال ابن كثير رحمه الله:”إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد هاهنا، ولا رأي ولا قول“، وقال السعدي رحمه الله: “أي: لا ينبغي ولا يليق، ممن اتصف بالإيمان، إلا الإسراع في مرضاة اللّه ورسوله، والهرب من سخط اللّه ورسوله، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما“.
وتأمل ما قاله ابن القيم رحمه الله عن فضل أمة الإسلام وما تميزت به عن بقية الأمم: “لم يحكِ الله سبحانه عن أمـة نبي صدّقت نبيها، وآمنت بما جاء به أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به، أو نهـاهـا عنه، أو بلّغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت، وسلّّمت، وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفـتـه، ومــا خفـي عـنـهـا لم تتوقف في انقيادها وإيمانها واستسلامها على معرفته … ولهذا كانت هذه الأمة التي هي أكمل الأمم عقولاً ومعارفاً وعلوماً لا تسأل نبيها لِمَ أمــر الله بذلـك؟ ولِمَ نهى عن ذلك؟ … لعلـمـهـم أن ذلـك مـضـادٌ لـلإيـمـان والاستسلام، وأن قَدَم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم“.
فإذا شكّ أو تحرّج مسلم في حكم قطعي الثبوت والدلالة فهو في حاجة إلى تصحيح عقيدة التسليم لديه ابتداء.
وأما إذا كان المخاطبون بهذا الدفاع الزنادقة ونحوهم؛ فإن الخطاب معهم لا يتوجه إلى تفاصيل الشريعة لأنهم لا يؤمنون بالشريعة من أساسها، فينبغي أن يبدأ الحديث معهم في الإيمان بالله تعالى وكتبه ورسله.