(ردٌ يفيض عِزة)
ما أكثر ما تُثار الشبه حول الإسلام وأهله من قِبل الزنادقة وغيرهم، وقد تجد ردوداً دفاعية لا تخلو من انهزامية أمام من أثاروها، حيث تتعامل هذه الردود مع مثيري الشبه كأنهم طلاب حق، باحثون عن الحقيقة، وليسوا أعداء متربصين.
ولهذا، يحسن ههنا عرض ردٍ كتبه ابن القيم على سؤال فيه تشكيك في الدين، وبهتان وتهكم بالصالحين، ليستفاد منه في منهجية الرد على الزنادقة ونحوهم مِن جهة، وليعزز المسلم من ثقته في دينه وأهله أمام الشبه من جهة أخرى.
يقول السائل: “نرى في دينكم أكثر الفواحش فيمن هو أعلم وأفقه في دينكم (يعني العلماء والصالحين) كالزنا، واللواط، والخيانة، والحسد، والتكبر والخيلاء، والتكالب على الدنيا، وهذا الحال يكذب لسان المقال).
فأجاب ابن القيم على السائل من أربعة وجوه عقلية، ثم قال في الوجه الخامس، وهو موضع الشاهد: (أن يُقال لمورد هذا السؤال إن كان من الأمة الغضبية إخوان القردة: ألا يستحي من إيراد هذا السؤال من آباؤه وأسلافه كانوا يشاهدون في كل يوم من الآيات ما لم يره غيرهم من الأمم، وقد فلق الله لهم البحر وأنجاهم من عدوهم، وما جفّت أقدامهم من ماء البحر حتى قالوا لموسى (اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)، ولما ذهب لميقات ربه لم يمهلوه أن عبدوا بعد ذهابه العجل، وآذوا موسى أنواع الأذى، وقتلهم الأنبياء بغير حق حتى قتلوا في يوم واحد سبعين نبياً، في أول النهار، وأقاموا السوق آخره كأنهم جزروا غنماً، وقتلهم يحيى بن زكريا، ونشرهم إياه بالمنشار، أفلا يستحي عباد الكباش والبقر من تعيير الموحدين بذنوبهم؟ أولا تستحي ذرية قتلة الأنبياء من تعيير المجاهدين لأعداء الله؟! فأين ذرية من سيوف آبائهم تقطر من دماء الأنبياء، ممن تقطر سيوفهم من دماء الكفار والمشركين؟. أولا يستحي من يقول في صلاته لربه: “انتبه كم تنام يا رب! استيقظ من رقدتك!”، ينخيه بذلك ويحميه، من تعيير من يقول في صلاته: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين). فلو بلغت ذنوب المسلمين عدد الحصا والرمال والتراب والأنفاس ما بلغت مبلغ قتل نبي واحد، ولا وصلت إلى قول إخوان القردة (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) وقولهم(عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ)”.[1]
وللاستزادة: فهذا رابط لمقال عن الرد على المخالف المستهزئ، معزز بالأدلة الشرعية ونماذج لردود الصحابة.
[1] مختصراً من كتاب هداية الحيارى