(ميولك أم مضاعفة أجورك ؟)

الناس تجاه ترتيب الأولويات الشرعية والتفاعل معها مختلفون؛ وخاصة عندما يرون أو يسمعون مواداً دينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه ثلاثة مواقف توضح ذلك:-

الموقف الأول: يرى أحدهم مقطعاً يتحدث عن ما ينبغي أن تكون عليه حركة اصبعه عند التشهد في الصلاة، فيقوم بنشره (وهو عمل محمود)، لكنه عندما يرى مقطعاً يتحدث عن ما ينبغي أن تكون عليه حركة قلبه في حياته، وأثرها في زيادة إيمانه، وقُربه أو بُعده عن ربه سبحانه، لا يحتفي به كثيراً، رغم الأهمية البالغة له في الشرع.

الموقف الثاني: شخص يسمع أو يقرأ عن تنبيه على عبارات موهمة يتلفظ بها بعض الناس، يُمكن أن تدخل في دائرة الكراهة وليس التحريم، فيبادر إلى نشرها (وهو عمل محمود)، لكنه يرى مقاطع عن تعظيم الله تعالى، أو ترسيخ محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سنته، أو الاعتزاز بالهوية الإسلامية والتذكير بها، فلا يُلقي لها بالاً، رغم الأهمية البالغة لهذه الموضوعات في الشرع.

الموقف الثالث: شخص ثالث يُشاهد مقطعاً تمثيلياً قصيراً لطفل يسير في الشارع فتجرحه زجاجة مكسورة، ويسيل الدم من قدمه ويبكي، وتظهر عبارة تدعو للتبرع لجمعية تهتم بإماطة الأذى عن الطريق، فيسارع إلى التبرع وينشر المقطع ( وهو عمل محمود)، ولكنه -في المقابل- يرى مقطعاً تمثيلياً قصيراً جميلاً عن أهمية الصلاة والحث عليها، فلا يتفاعل معه سواء بالتبرع أو النشر. لقد تفاعل مع المقطع الأول الذي يتحدث عن أدنى شعب الإيمان، ولم يتفاعل مع المقطع الثاني الذي يتحدث عن واحدة من أعلى شعب الإيمان، والركن الثاني من أركان الإسلام وهي الصلاة. فربما الذي دفعه لهذا التفاعل: ميوله وعواطفه الشخصية وليست الأولويات الشرعية الإلهية!.

إن هذه المواقف -ومثلها كثير- تدعو للتساؤل عن أسباب الجهل بمراتب الدين وشعب الإيمان عند بعض المسلمين، والذي أدى بدوره إلى ضعف ترتيب أولويات العبادات، وما يتبعه من الحرمان من أجور كثيرة.

كما أن هذه (الظاهرة) تدعو الدعاة والمربين لمعالجتها؛ سواء بالتنبيه عليها، أو بإعطاء الأولوية والتركيز في الخطاب الدعوي والتربوي على أصول الدين وكليات الشريعة والمفاهيم، لأن ما يُكثر الدعاة الحديث عنه هو ما سيكون موضع اهتمام العامة وبناء أولوياتهم عليه، فالناس – أحياناً – على دين دعاتهم.

——–‐————————

وصلتني -بعد نشر المقال- هذه المقولة من أحد مشايخنا الفضلاء.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله:
“ﻓﺈﻥ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺇﺫا ﻳﺌﺲ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺋﺐ ﺃﻥ ﻳﻮاﻓﻘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ اﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺩﺱّ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻌﺎﺻﻲ ﺧﻔﻴﺔ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ، ﻓﻴﺄﻣﺮﻩ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﻃﺎﻋﺔ ﺃﻭﺟﺐ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﺄﺧﻴﺮﻫﺎ ﺃﻭ ﺗﻮﺳﻴﻄﻬﺎ، ﺃﻭ ﻳﺄﻣﺮﻩ بتأخير ﻃﺎﻋﺔ ﺃﻭﺟﺐ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﺃﻭ ﺗﻮﺳﻴﻄﻬﺎ.

ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﻴﺨﺴﺮ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ.
ﻭﻗﺪ ﺗﻮاﻓﻖ اﻟﻨﻔﺲُ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥَ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﺮاﺭاً ﻣﻦ ﺃﺛﻘﻞ اﻟﻌﺒﺎﺩﺗﻴﻦ ﻭﺃﺷﻘﻬﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻔﻬﻤﺎ ﻭﺃﺭﻓﻘﻬﻤﺎ.
ﻭﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﻨﺠﺎﺓ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ: ﺃﻧﻪ ﺇﺫا ﺧﻄﺮﺕ ﻟﻪ ﺣﺴﻨﺔ ﻓﻼ ﻳﻘﺪﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻈﺮ ﺃﻫﻲ ﻣﻤﺎ ﻗﺪﻣﻪ اﻟﻠﻪ ﺃﻭ ﻣﻤﺎ ﺃﺧﺮﻩ ﺃﻭ ﻣﻤﺎ ﻭﺳﻄﻪ”.

 

16 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *